<<فلسفة الكذب والخداع اللاهوتي>>: بين الرفض والتبرير
محنة الفلسفة هي محنة ضد الكذب والزور والخداع والتدليس وكل أضداد الحقيقة، ورغبة قوى الشر في استبلاد الإنسان، وتركه مُحطما في ظلام كهف الشقاء.. وتثبيت الإنسان في القصور الدائم، والحيلولة بينه وبين عقله لمنعه من بلوغ الرشد الفكري والنضج الوجداني.
يوجد عدد قليل من الدراسات التي تسعى إلى تقديم ما هو جديد إلى الفكر الأنطباعي للإنسان على حد سواء،ونحرص في الوقت ذاته أن يكون هذا الجديد على قدر من الأهمية على المستوى الفكري،والديني، والفلسفي من ناحية، وعلى مستوى علاقة الموضوع بهموم ومشكلات عالمنا العربي والإسلامي من ناحية أخرى، وهذا ما ينطبق على المقال الذي بين أيدينا.
طالما كانت العلاقة بين الأديان وخصوصا ما يُطلق عليها بالأديان السماوية مثارا للجدل منذ تاريخ بعيد إلى وقتنا الحاضر، لكن يجري النقاش في غالب الأحيان من منطلقات تعبر عن الخلفية الدينية للمحاور؛ لذلك كثيرا ما اكتنف الحوار التحيز الضيق وتفضيل دين على آخر، أو تفضيل مذهب على آخر، وهذا كثيرا ما غذى ويغذي التطرف الديني والمذهبي والطائفي الذي نعيش فصولة المدمرة والمروعة حاليا على يد الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تدعي امتلاكها الحقيقة الدينية كاملة،،،،فلماذا يكذب الناس؟ وهل يلجأون للكذب كحيلة للهروب من الواقع أم كوسيلة لتجميل صور ذواتهم في مرآة الآخرين على مبدأ لا نكذب ولكن نتجمل؟ وهل أصبح للكذب فلسفة خاصة في زمن تعليب الدين،والقيم والمعايير...
تقول دراسة حديثة وضعها عدد من الباحثين في جامعة كاليفورنيا إن الإنسان يكذب كل 8 دقائق كمعدل وسطي، بعدما زودوا 20 شخصاً بأجهزة للتنصت وجعلوهم يراقبون سراً تصرفات مجموعة من الرجال والنساء، وتذهب الدراسة إلى أن أكثر الناس ميلاً إلى الكذب هم الذين يقيمون علاقات اجتماعية كثيرة أو يسعون بحكم مهنهم وراء المعلومات،ولعل أهم ما يدعو الإنسان إلى الكذب كما يقول الخوف الناجم عن التزام الصدق في ظروف ناشئة من سلطة أو حالة استبداد وقهر أو من مواجهة الخطر، حيث يصبح الكذب وسيلة لحماية الذات، لكن استمرار هذه الظروف لابد أن يؤدي بفعل العادة إلى انعدام الشعور الأخلاقي بمساوئ الكذب وإلى نشوء وتزايد الانسجام بين المصلحة الفردية والكذب.
: إذا كـان الكذب والخداع- في حد ذاتها- وسيلة منـافية للقـيم
العامة، فكيف يتسنى للكـذب والخـداع الديني أن يكتسـبا مشـروعيةفلسفية؟
الفلسفة هي تجسيد للماهية الأصلية للإنسان، هي الخاصية الأكثر التصاقا بالإنسان: القدرة على التفكير والقدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، الصدق والكذب، الكرامة والمهانة، العبودية والحرية، الحقيقة والوهم، الخير والشر، والسعادة والشقاء،وتعني حب الحكمة،ونبذ الكذب.
وفق لارسطو، فإن الكذاب هو »ذلك الانسان الذي يميل دوما إلى استخدام الصيغ "الزائفة"( ‘أي التي لا وجود لها(، ويتناولها
بمهارة في أن يَّفرض هذه الصيغ على الاخرين. وهو يفعل ذلك الفعـل الشرير بإرادته؛ وقد اتفق (تومـا الاكـويني )مـع
أوغسطين، في التمييز بين "الكذب" من جانب، و"الزيف" ( الاقوال
"الفاسدة" في حد ذاتها( من جانب اخر، كما اتفـق معـه فـي أن "زيـف
القول" ليس شرطا ضروريا من شروط وقوع الكذب، وعلى حد قولـه:
»إن الحكم على القول بالكـذب يتوقـف علـى بنائـه الصـوري، ودلالتـه
الاخلاقية، وليس على أساس محتواه، والخطأ المتضمن فيه. ومن ثَّـم َّ
فإنه مما يناقض الصدق- باعتباره فضيلة أخلاقية- أن نقول الحقيقة بقصد
التزييـف( الكـذب) أكثـر ممـا نقـول الكـذب بقصـد قـول "الحقيقة".
يقول شاؤول (بولس) مما ورد في الإصحاح الثالث من رسالته إلى أهل رومية,
"فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ صِدْقُ اللهِ قَدِ ازْدَادَ بِكَذِبِي لِمَجْدِهِ، فَلِمَاذَا أُدَانُ أَنَا بَعْدُ كَخَاطِئٍ؟!!
والذي تعتبر جزءا من نصوص العهد الجديد, الكتاب المقدس لدى المسيحيين, وهذا النص المتضمن على تبرير وشرعنة واضحة (للكذب) من أجل مجد الرب , يعتبر من النصوص الاشكالية التي وضعت نصوص العهد الجديد أمام ورطة اخلاقية كبيرة !
حيث نجده يقرر مسبقا في العدد الرابع من هذا الأصحاح ان الله وحده هو الصادق وكل انسان كاذب بالضرورة!!
(بَلْ لِيَكُنِ اللهُ صَادِقًا وَكُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِبًا) ،
ثم يصل الى النتيجة الكارثية!!...وهي ان الكذب من اجل مجد الرب امر مستساغ وجيد كما قرر في العدد المتقدم.
الخلاصة الذي انتهى إليها السيد شاؤول في هذا الأصحاح التبريري ,والمشرعن للكذب, هي ان الإنسان ليس بحاجة الى اعمال لكي ينال الخلاص, اذ يكفيه الايمان فقط, حتى لو مارس الكذب او التضليل والتدليس او غيره!!!
وهذه النتيجة ( الفضيحة) رفضها حتى اباء الكنيسة الاوائل , كما فعل يعقوب (اخو الرب) حيث كتب في رسالته أنه حتى الشياطين لديها ايمان !!!.... لكن ايمانها لن يكون سبيل للخلاص من دون ان يكون مصحوبا الاعمال الصالحة.
أول كاتب مسيحي حاول معالجة المسألة هو سي أس لويس (1898-1963م) الذي طرح في مقالة في عام 1950م في مجلة كريستيان هيرالد إمكانية أن يتجسد ابن الله في عوالم أخرى، خارج كوكب الأرض، وكذلك افكار حول آن يقوم الله بابتكار وضعا متميزا تماما لخلاص للمجتمعات خارج كوكب الأرض تختلف عن تلك التي وضعها للبشر بحجة الاقناع.
يأتي الأسلام اعتمادًا على بعض السور القرأنية، ، يبدو أن القرآن يترك الباب مفتوحًا لفكرة الحقيقة، كما هو الحال في سورة النحل 65 ("قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ"، والتي تخضع لحكم الهي على قدم المساواة مع فكرة الثواب والعقاب التي يخضع لها البشر والتي تؤدي إلى السماء أو الجحيم كمكافأة أو عقوبة لأفعالهم في الحياة. إلا ان الكثير من علماء المسلمين حاولوا التخفق،والتحفظ بالكثير من الحقائق سواء بتقارب الاديان،او حقائق تفسيريه فقهيه،والتي تكون سلسله،وسهلة لخدمة الانسانيه حجتهم على ذلك خوفا عليهم ان لايدركوها بالشكل الصحيح،والانخراط عن الملة،والكفر،واللحاد،إنكار العلاقة بين السّبب والنّتيجة في النّظام الطبيعي.
وهذا ما أكّده الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة عندما قال بأنّ الله غير ملزم بأي نظام، وأنّه لهذا السّبب ليس هناك تسلسل طبيعي للسّبب والنّتيجة.
والتي ظهرت من الفرق الأولى الّتي ظهرت على مسرح الجدل الكلامي فرقة الجبريّة،والاشاعرة،والمعتزله.
نرى حتى في عهد الخلافه الأمويه استولوا على الخلافه من (ال بيت رسول الله) بدافع التزييف الديني والخداع،والتضليل، وهذا ماينطبق على الكثير من الناس بحجة دفاعهم عن الدين،والمعتقدات الراسخه في نفوسهم.
ان هذا الاختلاف بين البشرية قد طال منذ عصور قديمه،والتي ادت الى صراعات حتمية،حتى وصل هذا الاستغلال الى الكذب السياسي،والاقتصادي على حدٍ سواء.
إن مرحلة اندماج الذات في موضوعها لم تدُم نتيجة تقدم الفكر البشري، فانفصلت الذات عن الموضوع، وصار الإنسان ينظر إلى المقدس باعتباره مسألة مستقلة جديرة بالدراسة العلمية، فنشأ منذ القرن التاسع عشر علم الأديان المقارن، والدراسات المقارنة في الأديان، وعلم الاجتماع الديني، وعلم النفس الديني، والأنثربولوجيا الدينية… وقد بينت جميع هذه المباحث كيف تحولت الظاهرة الدينية من شعور كامن في ذات الإنسان تجاه المقدس إلى دراسة علمية لذلك الشعور الخفي.
علم اللاهوت مداره خطاب الإنسان حول الله، وهو ينطلق من مسلمات وبديهيات يتبناها العالِمُ في هذا المجال، دون أن يعتريه فيها شك ولا تسأل، ويعتقد هذا العالِمُ أن الديانة التي يعتنقها هي وحدها التي تتصف بالحق والصدق والأصالة، وما سواها باطل وكذب أو مقتبس من نصوص دينية سابقة، أو هو كلام مُحرف، وبعبارة أخرى يمكن أن نقول: إن علم اللاهوت علم معياري تكون نزعته مشروطة دائما بالإيمان بحقائقه الخاصة به، فيكون بذلك مُقصِيا غيره بطبيعته، وهم لئن اتسم بنزعة عقلية جدالية في معالجة مواضيعه فإنه يدور في فلك الوثوقية والدفاع والتبرير والتمجيد.
،،،فلابد من حلحلة هذه الإشكالات بين البشريه،فالذي يدعي الايمان،والتدين انه على صوائب،يمكن تصديقه بأفعاله،لان عكس ذلك بدل خلاف الباطن على الظاهر،وهذا نفاق بحد ذاته،ولهذا يقول الله تعالى (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ).
تُعَدُّ علاقة الكذب بالأسطورة علاقة إشكالية، وغامضة؛ وهو غموض نابع من غموض مفهوم الأسطورة نفسه؛ إذ يتداخل المفهوم مع الظواهر الدينية والفلكلورية، والرموز الحضارية والطقوس الاجتماعية، وغيرها من مجالات الدراسات.
ان الاختلاف بين البشريه هي لعدم فهم ذاتها،فلو عرفنا ذواتنا لأصبحنا متفقين رغم الاختلاف القائم بيننا،وخلقنا مختلفين لأمر غيبي من الله تعالى وحكمته،المعضله التي نواجهها هي عدم فهم الحساب الالهي مقارنة بالحساب البشري،حساباتنا مختلفه عن حسابات الله عز وجل،فبإستطاعة البشريه الأتفاق على الحسابات العقلية- المنطقيه،وترك الحساب الالهي،لان عقلنا محدود،والاتفاق بالحساب الالهي بالإيمان،وبذلك يمكن حل هذه الإشكاليه بكل سلاسه.فعلينا ألا نخاف أبداً من رفع صوتنا من أجل الصدق و الحقيقة و من أجل التعاطف ضد الظلم والكذب و الطمع . لو فعل كل الناس ذلك،،، سيتغير العالم...
بقلم :وليد خالد
ا العراق